فصل: الشبهة الأولى وجوابها:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: المدخل لدراسة القرآن الكريم



.الشبهة الأولى وجوابها:

قالوا: كيف يكون جمع القرآن عن إجماع من الصحابة مع أن عبد الله بن مسعود وهو ذو السابقة في الإسلام قد كره أن يتولى زيد جمع المصحف.
وقال: يا معشر المسلمين كيف أعزل عن جمع المصحف ويتولاه رجل والله لقد أسلمت وإنه لفي صلب رجل كافر، وقال أيضا: أعزل عن المصاحف وقد أخذت من فيّ رسول الله صلى الله عليه وسلم سبعين سورة وزيد بن ثابت ذو ذؤابتين يلعب مع الصبيان، وفي رواية: بضعا وسبعين سورة....
والجواب:
أن قول ابن مسعود هذا لا يدل على عدم جواز جمع القرآن في المصحف، ولا على أنه كان مخالفا في الجمع، وكل ما يدل عليه أنه يرى أنه أحق من زيد بجمع القرآن لسوابقه في الإسلام، على أنه قال هذا في وقت غضبه فلما سكت عنه الغضب أدرك حسن اختيار عثمان ومن معه من الصحابة لزيد بن ثابت وقد ندم على ما قال واستحيا منه؛ فقد روى أبو وائل هذه القصة ثم قال عقبها: إن عبد الله استحيا مما قال فقال: ما أنا بخيرهم ثم نزل عن المنبر ولم يكن اختيار أبي بكر وعثمان لزيد إلا لما له من المزايا التي تؤهله لهذه المهمة الجليلة وقد أفصح عن هذه المزايا الصديق بقوله: إنك رجل، شاب، عاقل، لا نتهمك كنت تكتب الوحي لرسول الله صلى الله عليه وسلم، فقد وصفه بأربع صفات لابد منها لمن يقوم بهذا العمل وهي الشباب المقتضي للقوة والصبر والجلد، والعقل وهو جماع الفضائل، والأمانة وعدم التهمة وهي الصفة التي لابد منها لمن يقوم بهذا العمل، وكتابة الوحي، وبها يتم التوثق والاطمئنان ومع ذلك فقد ضم عثمان إليه ثلاثة من أوثق الصحابة وأعلمهم، وهذه الخصائص لا تقتضي أفضليته على عبد الله بن مسعود ولا على أبي بكر، وعمر، وعثمان، وعلي، وإنما تقتضي أهليته لما عهد إليه به.

.الشبهة الثانية وجوابها:

قالوا: كيف يكون القرآن كله متواترا مع أن زيد بن ثابت قال في أثناء ذكره لحديث الجمع في عهد أبي بكر: فقمت فتتبعت القرآن أجمعه من الرقاع والأكتاف حتى وجدت آخر سورة التوبة مع أبي خزيمة الأنصاري لم أجدها مع غيره. وقال في أثناء ذكره لكتابة المصاحف في عهد عثمان: ففقدت آية من الأحزاب كنت أسمع رسول الله صلى الله عليه وسلم يقرأ بها، لم أجدها مع أحد إلا مع خزيمة الأنصاري، الذي جعل رسول الله شهادته بشهادة رجلين، فهاتان الروايتان تدلان على أنه اعتمد في جمع القرآن على بعض الروايات الآحادية، وهو يخالف ما هو مقرر عندكم من أن القرآن- في جملته وتفصيله- ثابت بالتواتر المفيد للقطع.
والجواب:
أن هذا الذي نقل لا ينافي تواتر القرآن؛ فقد ذكرنا لك فيما سبق أن الاعتماد في جمع القرآن كان على الحفظ والكتابة، وكان غرضهم من ذلك زيادة التوثق والاطمئنان، وأن ما كتبوه إنما هو من عين ما كتب بين يدي رسول الله صلى الله عليه وسلم فقول زيد: لم أجدهما، أي لم أجدهما مكتوبتين وهذا لا ينافي أنهما كانتا محفوظتين عند جمع يثبت بهم التواتر، والتواتر إنما هو في الحفظ لا في الكتابة، يدل على ذلك قول زيد في الرواية الثانية: ففقدت آية من الأحزاب كنت أسمع رسول الله يقرأ بها، فهو إذا كان حافظا لها ومتيقنا لقرآنيتها، وكذلك من كانوا معه كانوا يحفظونها ولكن كان يبحث عن أصلها المكتوب.
فإن قيل إن اتجه هذا الجواب، واستقام في الرواية الأولى، فكيف يتجه في الرواية الثانية؛ فقد كانت آية الأحزاب مكتوبة في الصحف التي كتبت في عهد الصديق قلت: لعلها انمحت وتطاير مدادها فلم يبق ما يدل عليها أو لعل الأرضة أكلت موضعها من الصحيفة فاضطر أن يبحث عن أصلها المكتوب فوجده مع خزيمة بن ثابت الأنصاري، على أن المعول عليه في القرآن التواتر الحفظي لا الكتابي.

.الشبهة الثالثة وجوابها:

قالوا: إن القرآن قد زيد فيه ما ليس منه بدليل ما ورد أن عبد الله ابن مسعود كان لا يكتب المعوذتين في مصحفه، وفي رواية كان يحك المعوذتين من مصحفه، ويقول: إنما أمر النبي صلى الله عليه وسلم أن يتعوذ بهما ويقول: إنهما ليستا من كتاب الله.
والجواب:
أن هذه الروايات غير صحيحة، وأغلب الظن أنها مدسوسة على ابن مسعود، وإليك ما قاله الأئمة فيها، قال الإمام النووي في شرح المهذب: أجمع المسلمون على أن المعوذتين والفاتحة من القرآن، وأن من جحد منها شيئا كفر، وما نقل عن ابن مسعود باطل ليس بصحيح، وقال ابن حزم في كتاب القدح المعلّى، تتميم المجلّى: هذا كذب على ابن مسعود وموضوع، وإنما صح عنه قراءة عاصم عن زر عنه، وفيها المعوذتان والفاتحة، وقال القاضي أبو بكر الباقلاني: لم يصح عنه أنها ليست من القرآن، ولا حفظ عنه، إنما حكها وأسقطها من مصحفه إنكارا لكتابتها، لا جحدا لكونهما قرآنا لأنه كانت السنة عنده، أن لا يكتب في المصحف إلا ما أمر النبي صلى الله عليه وسلم بكتابته فيه، ولم يجده كتب ذلك ولا أمر به، يعني في علمه وظنه، وإلا فقد تيقن قرآنيتهما غيره من الصحابة، وحفظوهما، وكتبوهما في المصاحف كما صنع زيد ومن معه.
وذهب الحافظ ابن حجر إلى صحة ما روي عن ابن مسعود، وقال: قول من قال إنه كذب عليه مردود والطعن في الروايات الصحيحة بغير مستند لا يقبل بل الروايات صحيحة، والتأويل محتمل، وقد أوله القاضي وغيره على إنكار الكتابة كما سبق، وعلى فرض صحة الرواية يجاب بما يأتي:
1- عدم كتابتهما أو حكّهما لا يستلزم إنكار كونهما من القرآن لجواز أنه كان لا يكتبهما اعتمادا على حفظ الناس لهما لا إنكارا لقرآنيتهما فالفاتحة يقرؤها كل مسلم في الصلاة، المعوذتان يعوذ بهما المسلمون أولادهم، وأهليهم ويحمل قوله: كتاب الله على المصحف، قال ابن قتيبة في مشكل القرآن: وأما إسقاط الفاتحة من مصحفه فليس لظنه أنها ليست من القرآن، معاذ الله، ولكنه ذهب إلى أن القرآن إنما كتب وجمع بين اللوحين مخافة الشك والنسيان والزيادة والنقصان، ومعنى ذلك أنه يرى أن الشك والنسيان، والزيادة والنقصان مأمونة في سورة الحمد؛ لقصرها ووجوب تعلمها على كل أحد لأجل الصلاة.
2- أنها رواية آحادية، فهي لا تعارض القطعي الثابت بالتواتر، والعبرة في التواتر أن يروى عن جمع يحيل العقل تواطؤهم على الكذب، لا أن لا يخالف فيه مخالف، فظن ابن مسعود أنهما ليستا من القرآن لا يطعن في قرآنيتهما، قال ابن قتيبة في مشكل القرآن: ظن ابن مسعود أن المعوذتين ليستا من القرآن، لأنه رأى النبي يعوذ بهما الحسن والحسين فأقام على ظنه، ولا نقول إنه أصاب في ذلك وأخطأ المهاجرون والأنصار.
3- على فرض صحة الرواية فيحمل ذلك على أنه كان قبل أن يستيقن ذلك، فلما علم ذلك وتيقنه رجع إلى رأي الجماعة، وليس أدل على ذلك من أن الذين تعزى قراءاتهم إلى ابن مسعود متفقون على أن هذه السور الثلاث من القرآن؛ قال ابن الصباغ: إنه لم يستقر عنده القطع بذلك، ثم حصل الاتفاق بعد ذلك، وهذا الجواب هو الذي تستريح إليه النفس.

.الشبهة الرابعة وجوابها:

قالوا: إن القرآن نقص منه ما كان بعض الصحابة يكتبه في مصحفه، يدل على ذلك ما روي عن أبي بن كعب أنه كان يكتب في مصحفه سورتي الخلع والحفد، وهو دعاء القنوت: «اللهم إنا نستعينك ونستهديك ونستغفرك... ونخلع ونترك من يفجرك، اللهم إياك نعبد ولك نصلي ونسجد وإليك نسعى ونحفد...».
والجواب على ذلك:
لا نسلّم أنهما من القرآن وكتابة أبي بن كعب لهذا الدعاء في مصحفه لا يدل على القرآنية، ونحن نعلم أن مصاحف الصحابة لم تكن قاصرة على المتواتر؛ بل كان بعضها مشتملا على الآحادي؛ والمنسوخ تلاوة، وعلى بعض تفسيرات، وتأويلات، وأدعية، ومأثورات، ومن ذلك هذا الدعاء الذي يقنت به بعض الأئمة في الوتر ووجوده في مصحف أبيّ لا يدل على أنه قرآن، كما أن القنوت به في الصلاة لا يدل على القرآنية، ولا يشك ذو نظر فاحص وذوق أدبي أن هذا الدعاء ليس عليه مسحة من سحر القرآن وبلاغته وإعجازه وإشراقه، مما يلقي بهذه الشبهة في غيابة الإهمال.
2- على فرض أن أبيّا أثبتها في المصحف على أنها قرآن فهي رواية آحادية ظنية لا تعارض القطعي الثابت بالتواتر كما أنها لا تكفي في إثبات كونها من القرآن؛ لأن المعول عليه في ثبوت القرآن التواتر.
وهنا قاعدتان ينبغي التنبه إليهما في رد كل رواية تفيد زيادة شيء في القرآن، أو نقص شيء منه وهما:
1- كل رواية آحادية لا تقبل في إثبات شيء من القرآن.
2- كل رواية آحادية تخالف المتواتر من القرآن لا تقبل، ويضرب بها عرض الحائط.

.الشبهة الخامسة وجوابها:

ما نقله العلامة الآلوسي عن بعض الشيعة والملاحدة وخلاصته أن عثمان بل وأبا بكر حرفا القرآن، وأسقطا كثيرا من آياته وسوره. وقالوا: إن القرآن الذي نزل به جبريل كان سبع عشرة ألف آية وأن سورة الأحزاب كانت مثل سورة الأنعام؛ أسقطوا منها فضائل أهل البيت، وأن سورة الولاية أسقطت بتمامها، إلى غير ذلك من الأباطيل والخرافات، والترّهات التي لم تقم عليها أثارة من علم.
والجواب:
أن هذه دعاوى لم يقم عليها شبه دليل، ولو أن كل دعوى تقبل من غير استدلال لما ثبتت حقيقة، ولما توصل الناس إلى علم ومعرفة وهذا الكلام من غلو الشيعة في آرائهم الجائرة، ولهذا نجد العقلاء منهم يتبرءون من مثل هذه الخرافات. قال الطبرسي في مجمع البيان- وهو من علمائهم-: أما الزيادة في القرآن فمجمع على بطلانها، وأما النقصان فيه فروي عن قوم من أصحابنا، وقوم من حشوية العامة والصحيح خلافه.
ثم ماذا تقولون أيها المتشيعون لقد صار الأمر إلى علي كرم الله وجهه ودانت له الأقطار كلها ما عدا مصر والشام، والمصاحف التي كتبها عثمان تتلى وقد ظلت دولة أهل البيت ما يقرب من خمس سنين؛ فكيف يسكتون على ذلك وهو منكر شنيع يجب على الإمام أن يسارع إلى إزالته، ولو أن شيئا من ذلك وقع لنقله المؤرخون الأثبات، ولكن شيئا من ذلك لم يكن.